زوجة الفلاح

   إمرأة فقيرة جداً من ناحية الماديات، وغنيّة من ناحية الروحانيات والتعبّد والقداسة، وكان زوجها الفلاح يعمل في حقل بعيد عن البيت الذي تسكنه مع طفلها الصغير، ابن العام الواحد.
   وذات يوم نسي الفلاح زوّادته في البيت، فقررت أن تأخذها له كي يأكل، كونه يعمل من الفجر الى النجر، كما يقولون، ومن حقه أن يغذي جسده المرهق برغيف خبز يابس وأربع حبات زيتون وبصلة.
   ولكن، من سيحرس الطفل في غيبتها، إذ من الصعب جداً أن تحمله مسافة طويلة في حر الصيف المحرق. 
   فكّرت طويلاً، ومن ثمّ قررت أن تسلّمه لأمها العذراء مريم، لأنها الوحيدة القادرة على حمايته من أي ضرر. فالتفتت الى السماء وقالت:
ـ يا أم اليتامى، ما لي غيرك.. أنت شفيعتي، وحبيبتي، وام سيدي المسيح. احسبي طفلي الوحيد هذا كطفلك الوحيد يسوع، واحرسيه بعنايتك ورأفتك الى حين عودتي من الحقل، فزوجي جائع وأنا مجبورة بإطعامه. ساعديني يا أمي.
   أغلقت باب بيتها على ابنها النائم في سرير من القش، شبيه بمزود المسيح، وذهبت الى الحقل البعيد، ولسان حالها يردد طوال الرحلة:
ـ السلام عليك يا مريم..
   وفجأة، احترق بيت جيرانها، وامتدّ الحريق الى بيتها، فما أن شاهدت الدخان الكثيف يتصاعد من بعيد، ويجتاح الحقول والمراعي، حتى سجدت هي وزوجها، وراحا يصليان بخشوع كي تحفظ أم الله طفلهما من الموت حرقاً.
   ولشدة خوفها على ابنها راحت تلوم السيدة العذراء على تقاعسها بحماية ابنها من اي ضرر، بعد أن سلمتها إياه نائماً في سريره:
ـ لماذا فعلت بي هكذا يا سيدتي، يا ام ربي، ومن أفضل منك كي أضع ابني في حمايته.
   وما أن أنهت كلامها، حتى بدأت تركض هي وزوجها نحو البيت، والدموع تتساقط من أعينهما كزخّات المطر.
   وعندما وصلا وجدا البيت ركاماً، ولم يبقَ واقفاً سوى الحيطان، ولكنهما سمعا صوت طفلهما يبكي، فركضت الأم نحو مصدر الصوت، فوجدت ابنها جالساً وسط النيران، دون أن يصيبه اذى.
   عندئذ، التفتت الى السماء وقالت:
ـ كم أنت عظيمة وحنونة يا أم المخلص، وما أروع وأكثر عجائبك. وطوبى للمؤمنين بك وبابنك الحبيب، فإنهم لا يرون الهلاك أبداً.
**