الفنان والشيطان

   كان أحد الرسامين في بلاد "فلندريا"، متعبداً لمريم العذراء عبادة لا يمكن وصفها، وكان ماهراً جداً في فن الرسم. ومن عاداته الدائمة أن يتفنن برسم أم الاله بأجمل الألوان، وبإتقان رائع، ليعبّر عن حبه الشديد لها.
   وفي نفس الوقت، كان يرسم الشيطان بأبشع الألوان، ليراه الناس بشكل مخيف جداً، فيجفلون منه، ويبتعدون عن الخطيئة.
   لهذا السبب، غضب الشيطان منه غضباً شديداً، وقرر معاقبته، فجاءه في الحلم وقال له:
ـ ما ذنبي أيها الرسام كي ترسمني شنيعاً ومخيفاً الى درجة تفوق الحد؟
فأجابه الرسام:
ـ لأنك أسقطتني بتجاربك المخزية مرات عديدة.. وما زلت تحاربني حتى الآن.
فصاح الشيطان بغضب شديد:
ـ ان لم تتوقّف عن عملك، لا تلم إلا نفسك.
   قال هذا، واضمحل في دخان كثيف، دون أن يخيف الرسام، أو يثنيه عن عمله.  ولكي يغيظه أكثر، قرر أن يرسم السيدة العذراء على حائط عالٍ فوق باب الكنيسة، فبنى لذلك "تختاً" مرتفعاً من الأخشاب، وراح يرسمها بشكل رائع جداً، والشيطان اللعين يتلوى كالأفعى تحت رجليها المقدستين، اللتين تدوسان رأسه، وتخمدان أنفاسه.
   وما أن رأى الشيطان الخبيث صورته الشنيعة هذه، حتى جن جنونه، وقرر القضاء على الرسام، فهز "التخت" الخشبي الواقف عليه، كي يرميه على الأرض من علو شاهق، ويميته أبشع ميتة أمام أعين المئات من الناس الذين تجمهروا هناك لمشاهدة تلك الصورة الرائعة.
   وبينما كان الرسام يتهاوى نحو الأرض صاح بأعلى صوته:
ـ ساعديني يا أمي.. يا أم الرحمة، وسلطانة السماء والأرض.
   فمدت العذراء يدها من الصورة وجذبته نحوها، فتمسك بيدها جيداً، الى أن أوصلته الى الارض سالماً.
   فما كان من الحاضرين إلا أن بدأوا بالتصفيق الحاد، والكل يرتل بصوت واحد: إليك الورد يا مريم، يهدى من أيادينا.
**