سر المعمودية

   كان في بلاد الشرق رجل وثني لا يحلو له إلا أن يشتم المسيح وأمه مريم كل يوم تقريباً، وكان له صبي عمره سبع سنوات، كثيراً ما رافق اصحابه الاطفال المسيحيين الى الكنيسة، وكان كلما تقدّموا للمناولة تقدّم معهم، الى أن علم والده بالامر، فاستشاط غضباً، وقرر إلقاءه في فرن النار الذي يستعمله لطبخ الزجاج.
   حاول الطفل الهرب، وهو يصرخ:
ـ أبي، أرجوك لا ترمني في النار، أنا أحبك.
   ولكن والده كان أسرع منه، فحمله بين يديه، ورماه في أتون النار، دون شفقة أو رحمة، وهو يقول:
ـ أيها الطفل المغفل، بما أنك تتناول القربان المقدس كل يوم، دعني أرى كيف سيخلصك مسيحك الدجّال وأمه مريم من الموت حرقاً.
   ورغم كثرة الأخشاب التي أوقدها في الفرن، ليزيد من لهيبه، بقي الطفل واقفاً في وسطه، ينظر الى والده نظرة تأنيب وشفقة، دون أن تقترب منه النار، أو أن يصيبه أذى.
   ركضت والدته نحو الفرن، وركض خلفها العديد من المسيحيين بغية إنقاذ الطفل، فوجدوه يقف وسط اللهيب وكأنه في بستان ورود. فسألوه إن كان بإمكانه الخروج، فهز رأسه علامة الايجاب، وخرج والبسمة تعلو شفتيه، ليرتمي في حضن أمه وهو يقول:
ـ المرأة التي تحمل طفلها في الكنيسة، كانت معي في الفرن، ولقد لفتني بمشلحها الأزرق، وأبعدت عني اللهيب، ولم أشعر أبداً بالخوف. ولكني، ما زلت لا أدري، لماذا رمى بي والدي في الفرن؟.
   وأتاه الجواب من أبيه:
ـ لأنني وثني ضال، شتمت من أنقذتك مئات المرات، ومع ذلك أشفقت علي ولم تحرمني طفلي، ولكي أرد جميلها، سأتقبّل سر المعمودية قبلك وقبل والدتك، لتعلم السيدة العذراء أنني أول من سيشكرها من عائلتي على عجيبتها هذه.
   وكان الجمع الموجود هناك، قد قرروا رميه بالنار مثلما رمى ابنه، ولكنهم غفروا له خطيئته بعد الذي سمعوه منه. وراحوا يمجدون الله.
**