الزوجة العذراء

   قرّر العديد من أبناء روما، أيام أنوريوس وأركاريوس، أن يحفظوا عفّتهم، رجالاً ونساء، وكان من بين هؤلاء بنت عذراء، غنيّة جداً، وذات جمال خارق. 
   ذات يوم زوّجها والداها، دون ارادتها، لشاب غنيّ أيضاً، ذي حسب ونسب، وبعد أن انتهى العرس، حاول أن يدخل عليها كما يفعل كل زوج مع زوجته، فوجدها راكعة أمام أيقونة السيدة العذراء تصلي، وتتضرع اليها بدموعها أكثر من كلامها، لتحفظ عذريتها من الفساد، فتعجّب العريس وسألها عن سبب ذلك، فقالت له:
ـ أنا أبكي يا أخي الحبيب لأنني وعدت أمنا مريم أن أحفظ عذريتي، وأن لا يتزوجني أحد، لأنني سأهب نفسي لابنها يسوع، وها قد زوجني أهلي غصباً عني، فماذا تريدني أن افعل؟ أأغضب العذراء وابنها يسوع لأرضيك أنت؟
   وبكل المحبة والحنان راح يخبرها عن أناس كثيرين تزوّجوا وأرضوا الله، ومنهم من توّجتهم القداسة، ورفعت صورهم في الكنائس. ولكنها لم تقتنع بقوله، بل راحت تشرح له كيف أن يسوع ولد من مريم البتول، وكيف أن النبي إيليا ويوحنا المعمدان حافظا على عفتهما رغم الضغوط التي تعرّضا لها. وراحت تخبره قصصاً كثيرة عن فضائل العفة الى أن أقنعته، وأقسم أمام أيقونة العذراء أن لا يمسها أبداً.
   وهكذا عاشا كأخوين صادقين مؤمنين دون أن يدري بقصتهما الأهل، بل اعتقدوا أن حياتهما الزوجية تسير على أحسن ما يرام. الى ان طلب المسيح الزوجة الطاهرة الى ملكوته السماوي، وفيما هم ذاهبون لدفنها، راح الزوج يصرخ بصوت عالٍ ويقول:
ـ أشكرك يا ربّ لأنك أعطيتني هذه الزوجة الطاهرة العفيفة الخالية من أي دنس، فلقد حافظت على بتوليتها كرمى لعينيّ خطيبها يسوع، وها أنا أسلمها لك كما أعطيتني إياها، بكراً، لا يشوبها عيب.
   وما أن أنهى كلامه، حتى فتحت الزوجة عينيها وقالت لزوجها:
ـ لماذا كشفت سري، أيها الأخ الحبيب، في هذا العالم الغارق بالدنس.
فتعجب الحاضرون، وضربهم الذهول، وراحوا يمجدون الله على عجائبه الكثيرة.
   وبعد أيام قليلة مات الزوج، فدفنه أهله في مقبرة بعيدة عن مقبرة حبيبة عمره، لأنه من بلدة غير بلدتها. وبعد أشهر بنوا له قبراً جديداً يليق به كغني، وأرادوا أن ينقلوا جثمانه إليه، فحفروا القبر فلم يجدوا الجثمان، فاحتاروا في أمرهم، واعتقدوا أن لصاً سرقه ليبتزهم مالياً، ولكن الكاهن ارتأى عليهم نبش قبر زوجته لعلّ الله قد فعل معهما عجيبة ثانية، وجمعهما بعد الموت أيضاً.
ولم يصدقوا أعينهم حين وجدوا الزوج والزوجة في قبر واحد، يحضنان بعضهما البعض والابتسامة تكلل ثغريهما. أجل، لقد رفض الله أن يفرّق بينهما، لا في الحياة، ولا بعد الموت.
**