الابنة والذئب


 تناقل الناس أخبار امرأة فاضلة، حسنة العبارة، متعبّدة للعذراء مريم، وكانت تتلو صلواتها أمام أيقونتها المقدسة باحتشام وحرارة، واضطرام روحاني فائق.
   وذات يوم أرسلت ابنتها الصغيرة، كالعادة، الى إحدى القرى القريبة، للتفسّح، ولزيارة أقربائها، فضلت الطريق، وابتعدت عن القرية، فإذا بذئب كاسر يهاجمها، ويحملها بين أنيابه الى الغابة بغية افتراسها.
   سمع بعض الفلاحين صراخها، واسترحامها لهم كي ينقذوها من بين أنياب الذئب، فراحوا يصرخون بأصوات مرتفعة، ويطاردونه بكل ما وقع بين أيديهم من أدوات وحجارة وأغصان، ولكن دون جدوى.
   وما أن وصل الخبر المحزن الى أذني أمها، حتى بدأت تركض باتجاه تمثال حجري للسيدة العذراء وهي تضع طفلها في حضنها، فخطفت الطفل وهي تصرخ:
ـ يا أمي الحنونة، أنا عبدتك الحزينة، الساجدة أمام عظمتك، أعلن أمامك بأنني لن أعيد لك طفلك ما لم ترجعي لي طفلتي.
   وراحت تبكي بصوت عالٍ، فأشفقت السيدة العذراء عليها، واحترمت أمومتها وخوفها على طفلتها، واعتبرت تهديدها لها بعدم إعادة الطفل يسوع الى حضنها مجرد عبادة عمياء. فهمس التمثال بأذن الأم المفجوعة:
ـ إذا أعدت ابنتك لحضنك سالمة، هل ستعدين طفلي الى حضني؟
فتمتمت الأم وهي تمسح دموعها عن خديها:
ـ نعم، نعم، نعم يا أمي وشفيعتي.
   وما أن أتمت عبارتها هذه حتى رمى الذئب ابنتها أمام أعين القرويين، وراح يعدو باتجاه جحره.
   وعندما عادت الطفلة الى حضن أمها، أخبرتهم أنها رأت امرأة خارقة الجمال، تأمر الذئب بأن يتركني في مكان آمن، وسمعتها تقول له وهي تبتسم:
ـ هناك أم خطفت ابني من حضني، ولن ترجعه لي ما لم أرجع ابنتها هذه الى حضنها، فاتركها في الحال.
  والمفرح في الأمر، أن أهالي القرى المجاورة رفضوا أن تعيد الأم الطفل يسوع الى حضن تمثال العذراء الحجري، إلا باحتفال ضخم.
**